Atheel H Muamar
المساهمات : 16 تاريخ التسجيل : 12/12/2009
| موضوع: حدثتني تلك العيون الجمعة ديسمبر 18, 2009 7:43 am | |
| حدثتني تلك العيون
بينما أنا جالسٌ في ذلك المطعمِ المترامي على أطرافِ المدينةِ المختبئةِ خلفَ ظلالِ الغربة . و أنا ارتشفُ قليلاً من الشايِ الذي بيدي , انطبعت في عقلي صورةُ امرأةٍ لا يمكن للكلمةِ وصفُ انطباعها , ولا يمكنُ للعقلِِ فهمَ ذلك الانطباع ... صورتها تلتصقُ بعقلي المنهك من شدةِ التعب الذي لا راحة فيه . حاولتُ أن انزع تلك الصورة َالحية َالجامدة َمن عقلي لكنني لم استطع , حاولتُ وحاولتُ مجددا ًإلا أن إصرارها على إرهاقي مازال صامدا ً, حاولتُ أن اقنعَ نفسي الضائعة بين الصورة ِ وعبق ِالأمس والحاضر بأنني تجاهلتها ؛ فوجدتُ نفسي تتجاهلُ تجاهلي لها اقتنعتُ أن الإرهاق والتعب يجبرانني على الاقتناع ِبوجودها ؛ فقررتُ الابتعاد عن المكان ِ الذي أحاطت به هواجسها .
.... جلستُ على مقعدٍ مترامٍ على أطرافِ الشارعِ المنسي خلفَ الضباب , ونثرتُ ما معي من أوراق ٍ عليه , أمسكتُ قلميَ الصغير وبدأتُ برسم صورتها - بعدما استسلمتُ لذلك الإصرار - .
مع أنني لستُ بارعا ًفي الرسم ِكثيرا ًإلا أنني رسمتُ كل ما اتضحَ لي من معالمِها ... ضفيرةُ شعرها الأسودِ الطويل ,الذي رسم عليه الزمان آهاتٍ مبتسمة , وذلك الوجهِ العربي ِالمرهق ِبين الأملِ والتشاؤل في لحظةِ العودة ِمن الأرض ِالمفلوحةِ المسقيةِ بعرقها , وتلك الشفاهُ المخملية ُالتي رُسمت عليها بَسماتِ الآهاتِ التائهةِ بين وردِ النسيان ووطاويط التذكر , وعيناها السوداوان المنهكتان في زوايا الأرض تحت الزيتونةِ الخضراءِ ,لا يمكنك تفسيرهن فهنَ أملٌ في التشاؤم , وفرحةٌ في الحزن ِ , وحزنٌ في الفرحة ِ, هن صمودٌ في الصمودِ ,هن أملٌ المٌ حزنٌ فرحةٌ وطنٌ ضائعٌ بين سراديبِ العالم ِ المنسي خلفَ لفافاتِ الورق . يصحنَ بي هل تتذكرني يا بني؟
بدأتُ بالبحث في بحرِ ذكرياتي العاصفة َ...لحظاتٌ وبدأت الذكرياتُ بالإهلال وبدأت الصورة ُ بالاكتمال تذكرت الزمان ,بدأت ترتسم التفاصيل بدأ المكان بالوضوح .
بعد ان حُكم علينا بأن نكونَ عبيدا ًفي وطننا نستل لقمة َالعيش ِبالعمل ِعندَ مغتصب ِأرضنا. كنا نعملُ في احدِ البيوتِ الفلسطينيةِ المحتلة , الذي تركَ الزمانُ عليه بصمته الهادئة بين الربيع ِ والصيف , الغاضبةِ بين الشتاء ِوالخريف , المنسية ِقبل حزيران المكتئب .وخيط ٌمن شمس تموز الحارقةِ يقتحمُ زجاجَ النافذةِ لينعكسَ على بلاطٍ سَقلتهُ الأيامُ الغابرة لينيرَ آثارَ الزمان وهتراء المكان الذي لازال يحافظ ُعلى هويتهُ التاريخية .
إذا بامرأة ترتدي ثوبا ًفلسطينيا ًمطرز بكل أملٍ وألم ,منسجم مع تفاصيل الموقع المحيط به , مرسوم عليه دالية ًوسنونو و ربيع . تتقدمُ مع ابنتيها الصبيتين , ترقب المكانَ بكل ما فيه من أشجارٍ وأحجارٍ وتراب , تشيرُ بإصبعها المهتزِ إلى زوايا المكان الذي رسمَ تعابيرَ وجهها الطفولي في شيخوختِها ...
بعيونِ السارق ِالمتوجسة ُخيفة ًمن أي حدث ٍصغير , المرتقب كل شخص ٍ وطير ٍوغيمة ؛خوفا ًمن أن يثبتَ إحداهن غرابته عن الأخر . أدركت الطبيبة ُالبولونية ُ - التي غزا النمش الأحمر وجهها الغربي - وجودهن ... ألقى الصمتُ غطاءهُ عليها ,وبنشوةِ المنتصر توجهت إليهن , تكلمت معهن بصوتٍ خافت .
وهنا بدأت الهواجس تلاحقني لماذا اتت تلك المراة الى هنا ؟ ما هو الشيء الذ يجمع بولونية بفلسطينية ؟ ما هو محور الحديث الذي يدور بينهما ؟ و لماذا انتثرت الاصابع في كل مكان ؟ اصابع تشير هنا وتشير هناك . بدأ حب استطلاعي يغزو عقلي , بدأت الاحداث تتراكم . لم اعد قادرا على التركيز في أي شيء سوى تلك المراة الواقفة خلف البوابة الحديدية , اهملت كل شيء بجواري لم اعد قادرا الا على التفكير في الحوار الذي يدور بينهما تسائلات لم اجد لها اجابة كل شيء من حولي اختلف . لماذا؟ و لماذا ؟ ولماذا ؟ اسئلة لم اجد لها أي تفسير ,لم اعد قادرا على التركيز في عملي . اصوات ترتفع قليلا ثم تنخفض ,كلمات لا افهم لها أي معنا ,احاول ان اسمع الحديث لكن لا جدوا من المحاولة .
من هي تلك المراة المختبئة خلف الثوب ؟ من تكون و لماذا اتت الى هنا ؟ وما الشيء الذي يجمعها بهذه الصهيونية ؟
ايمكن ان تكون .............. لا لا ان منظرها لا يوحي بهذا .
وبدأت الغرق في بحر تساؤلاتي الكبير , وحب الاستطلاع يغزو عقلي الشاب . لم اعد قادرا على أي شيء سو ان اطرح بعض الاجوبة التي تحتاج الى اجوبة .
كل شيء فيّ اختلف , لون وجهي اعصابي , وهتزاز يدي .
ما الذي اصابني ولماذا انا مهتم لهذه الدرجة بوجودها ؟
قلق يحط جسدي المشوي تحت شمس تموز .
اتصور انه لو وجد بيدي مصباح علاء الدين في تلك اللحظة لن اسأله سوى عن الحديث الدائر عند تلك البوابة .
انخفاض في الصوت ثم علو رهيب , تساؤلات , اعين غاضبة واخرى مبتسمات ,
توقعت كل الاحتمالات في تلك اللحظات .
احسست بان الوقت طويل جدا وان الساعة قد تجمدت كليا
اتلفت حولي , ااذهب اليهن لاعرف بماذا يتكلمن , لا لا يجب علي هذا ماذا ساقول لها اذا ذهبت ؟
اانتظر تلك البولونية حتى ترجع واسالها ما الذي حدث ؟
ولكن لن تقول لي الحقيقة , خاصة اذا كان هنالك امر سري .
يا ترى ما الذي يصير هناك ؟ من هي هذه المراة ؟ .............
ثم فتحت البوابة َالحديدية َالتي أعطاها الزمان قوةً وصلابة ًفوق صلابة ِحديدها الصامد, أدخلتهن إلى البيت . وإذا بالحجارة ِتكادُ تحتضنُ الثوبَ بشوق ِ رضيع ٍردّ َ لصدرِ أمه . تفحصت المرأة المكانَ بعيون ٍمشتاقةٍ لكل جزيئاته , وبدأت تشرحُ لابنتيها تفاصيلَ البيتِ العتيق .
- هنا كنا نجلسُ والضيوف, وهناك تحتَ الدالية ِالخضراء , كان أبي يروي لنا حكايةَ ثورةٍ حمل فيها الرجالُ بنادقاً وفؤوس... وهنا كان الطابون وهنا البئر.... وهنا وهنا وهنا وهناك .
جلسنَ في وسطِ البيتِ المحاطِ بأحلام ِالطفولةِ الدافئة ,وذكرياتِ الصبا .
تخيلتُ المرأة َ تتصرفُ وكأنها في بيتِها , للحظات أوحى إليّ شعاعُ نظراتها المنتشرِ في المكان أن حُلمها قد تحقق ,وعادت إلى بيتِها الذي قد ترعرعت فيه , وكأنها لم تتركهُ يوما َ . ظلت كذلك إلى أن دخلت البولونية ُتحمل ُبيدها أكوابَ الشاي وطبق ٍمن الحلوى وابتسمت , وكأنها تقول أنا هنا الأن .
انقلبَ الوضعُ رأساً على عقب , وارتسمت تلك العيونُ التي ارتسمت في مخيلتي اليوم , عيونٌ سوداءَ تبكي بلا دموع , عيون تبين فيها الأسى والألم اختلط َ بها الماضي والحاضرُ والمستقبل؛ ليرسم البيتَ الواقعَ على خارطةِ قلبها وعقلها ... عيونٌ تملؤها الدموعُ الجافة , مع شفةٍ مبتسمةٍ بألمٍ يقتل الأمل , وكأن أكوابَ الشاي تصفعها لتصدقَ أن حلمها لم يتحقق بعد , وهو مجردُ سرابٍ في هذه اللحظة , وأن الأملَ الذي حلَ عليها ليس سوى جرعةِ مهدئ لحالةِ التشاؤم المخيم . تصرخُ أكوابُ الشاي بها وتقول : أنتِ مَن أنتِ هنا ؟ يمكن أن تكونَ الجدران قد عَرفتكِ والبابَ والنافذة , إلا أنك مجردُ عابرةٍ من هذا الطريق , تأخذينَ ما فيّ من شاي ٍ وتنصرفين... استيقظي وامنعي دموعكِ من الانسيابِ في نهرِ الهم السائل . أن حلمك لا يتحققُ بذرفِ الدموع , ابحثي عن مكان ٍ آخر تبكينَ فيه , وأيقني أن الأوطانَ لا تعود بذرفِ الدموع .
استيقظت المرأة ُمن ذلكَ الحلمِ الجميل , وهي في اشدِ حالات ِالحزن ِالمبتسم . الحزن ِالذي لا يمكن للكلمةِ وصفهُ ,حزنٌ أملٌ تشاؤمٌ تشاؤلٌ يهب في التشائل .
تمترست الكلمة ُ خلفَ تلك العيون ِالغامضة ِالغاضبة ِالحزينة . التي أدركت أن أشدَ حالات الحزن هو أن تقدرَ على منع ِدمعتكَ المالحةِ من السقوط .
نفسها هذه العيون التي ارسمها اليوم , وإذا بي ارسمُ نفسَ المرأةِ ونفسَ التفاصيل ِ ونفسَ الملامح , وإذا بي ارسم ذلكَ الموقف الذي نقشهُ الزمان في داخلي .
هنا صاحَ بي ذلك الطيفُ المنسي في سراديبِ ذاكرتي
أتذكرتني يا بني ؟
بقلم اثيل حسن معمر
بانتظار رايكنم
مع فائق احترامي
| |
|
Guitar's Life
المساهمات : 78 تاريخ التسجيل : 10/03/2010
| موضوع: رد: حدثتني تلك العيون الأربعاء مارس 10, 2010 8:03 am | |
| | |
|